الخطيئة الأصلية لإسرائيل
الفصل السادس
إذا كانت إسرائيل تجهد على الأرض، كما رأينا، خاصة بمبادرة من يوسف فايتس، لخلق أمر واقع يسدّ طريق عودة المنفيين الفلسطينيين، كان عليها أن تقود بالتوازي ذات المعركة على الجبهة الدبلوماسية. حول هذه النقطة أيضا، كما يكتب هنري لوران Henry Laurens في تقديمه لـ «المؤرخين الجدد»(1)، «سمح فتح واستغلال الإرشيف بتصحيح بعض الأحكام. على النقيض من الكلام المكرر والشائع، كان المسؤولون العرب جاهزون للتسوية». هذا هو جوهر عمل إيلان بابهْ Ilan Pappe الذي يعيد، في «صناعة الصراع العربي الإسرائيلي 1947-1951 » «The Making of the Arab-Israeli Conflict 1947-1951» ، يعيد تاريخ المفاوضات المتتابعة في الصراع الأول بين إسرائيل وجيرانها.
بعد أربعة ايام من اغتيال وسيط الأمم المتحدة من قبل إرهابيي ليحي، في 17 أيلول (سبتمبر) 1948، نشر إرث هذا الأخير: مشروع جديد للسلام. يتميز بوضوح عن مشروع حزيران (يونيو). يكمن الاختلاف الأول بالتخلي عن تقسيم فلسطين إلى دولة يهودية ودولة عربية، كما كان يقتضي القرار 181 في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) (نوفمبر) 1947، حيث يوصي الكونت فولك برنادت هذه المرة بتقسيم جديد بين إسرائيل وشرق الأردن، يوسع الضفة الغربية، طبقاً للتسوية التي جرت بين الوكالة اليهودية والملك عبد الله. النقطة الثانية الجديدة، تتمثل حسب ما سيدعى قريباً «مبدأ جسيب Jessup» ( من اسم فيليب جسيب Philippe Jessup، عضو الوفد الأمريكي في الأمم المتحدة، الذي سيكون أول من قدم هذا الاقتراح في 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 1948)، فكما رأينا، كان يقترح، ربط الجليل بالدولة اليهودية، وضم النقب إلى شرق الأردن. بالمقابل، فإن الوسيط يؤكد حق العودة للاجئين الفلسطينيين والوضع الدولي للقدس. رغم تفضيلها لحلٍ إسرائيلي أردني، عارضت الحكومة الإسرائيلية هذا المشروع، ضد رأي وزير الخارجية موشيه شاريت، فلم يكن مقبولاً ترك النقب والتخلي عن جعل القدس عاصمة للدولة اليهودية والقبول بعودة اللاجئين الفلسطينيين. لذا فإن العمليات العسكرية الجديدة المتوقعة، في الشمال والجنوب، ستبت بالجدالات الدبلوماسية الفارغة، كما يؤكد ديفيد بن غوريون. إذا كانت لندن، التي تدرك أن تدعيم شرق الأردن سيتحكم باستمرار تأثيرها في المنطقة، دعمت خطة برنادوت، فإن الولايات المتحدة أخذت مسافة من ذلك، ليس فقط لأن الولايات المتحدة ، بعد فترة تردد، تؤيد من جديد التقسيم (بشرط تحسّين الحدود)، ولكن لأن الرئيس هاري ترومان، مرشح لولاية رئاسية ثانية، كان متردداً بمعارضة بن غوريون. أما الاتحاد السوفيتي فإنه ارتهن، تبعاً لسياسته منذ ربيع 1947، للمواقف الإسرائيلية. أما الدول العربية، باستثناء شرقي الأردن، فمن الطبيعي أن ترفض مشروعاً يناقض مصالحها. بالمقابل، فإن موقفها من المفاوضات يتباين مع المقاربة الإسرائيلية السلبية، فللمرة الأولى، يبدو الجميع جاهزاً لاعتبار مشروع 181، قاعدة مشروع تقسيم 1947 الذي رفضوه، كإطار لمفاوضات مستقبلية. ففي الحقيقة، فإنه اعتباراً من كانون الثاني (يناير) 1949، أخذ الجميع طريق السجادة الخضراء تحت رعاية خليفة فولك برنادوت، الأمريكي رالف بينش، واحداً وراء الآخر، في ردوس، للوصول إلى هدنة ثنائية الجانب مع إسرائيل (مصر توقع في 24 شباط (فبراير)، لبنان في 23 آذار (مارس)، شرق الأردن 3نيسان (أبريل)، سورية 20 تموز (يوليو). ذهب الجميع إلى جنيف (بما فيهم الهيئة العربية العليا الفلسطينية)، ثم إلى لوزان، لمحاولة الوصول إلى تسوية شاملة، في إطار المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة.
باجتماعها في كانون الأول (ديسمبر) 1948، تتخلى الجمعية العمومية الثالثة للأمم المتحدة جزئياً، عن مشروع برنادوت، الذي تم تجاوزه على الأرض. وترفض التقسيم الإسرائيلي الأردني وكذلك التسويات المتعلقة بالأرض المقترحة من الوسيط الراحل -التبادل بين الجليل والنقب لم يعد له معنى، حيث أن العمليات العسكرية "هودت" المنطقتين. بالمقابل، فإنها تطالب، كالدبلوماسي المقتول، بأن تكون القدس وضواحيها موضوعة تحت إشراف الأمم المتحدة وبأن يكون للاجئين الفلسطينيين الحق بالعودة إلى ديارهم، أو بالحصول على تعويض لقاء ممتلكاتهم التي فقدوها. غير أنها في النهاية، تحافظ على فكرة برنادوت بإحلال هيئة وساطة بدلاً من وسيطٍ وحيد: لجنة المصالحة حول فلسطين. وتدعو، على هذه الأسس، الأطراف للدخول في مفاوضات سلام، سواء مباشرةً، أو تحت رعاية الهيئة الجديدة للمصالحة، للوصول إلى «تسوية نهاية لكل المسائل المعلقة فيما بينها(2)». كان هذا هو معنى القرار 194 الذي تبنته، في باريس، في 11 كانون الأول (ديسمبر) 1948 . تم استيحاء النص المتعلق بلجنة المصالحة حول فلسطين مباشرة من مذكرة مقدمة من وزير الخارجية الأمريكي جورج مارشال في تشرين أول. يشير إيلان بابهْ بأن مقارنة صياغة الوثيقتين يشهد بتشابهما الوثيق(3). من جهة أخرى، يتمسك المؤرخ الإسرائيلي، بأن خطاب جون فوستر دالاس أمام الجمعية يشير إلى «بداية الالتزام الأمريكي المكثف في عملية السلام. ليس من المبالغة القول، أن ذلك كان تحولاً تاريخياً، حلّ خلاله الأمريكان محلّ البريطانيين كوسطاء للسلام. بذلك، فإن القرار ينهي فترة استمرت أكثر من ثلاثين عاماً من الوساطة البريطانية في الصراع ويؤشر إلى بداية مرحلة جديدة متسمة بالدبلوماسية الأمريكية المستمرة منذ ذلك اليوم(4)». كان الأمريكي مارك إيتريدج Mark Ethridge هو الذي سميّ، رمزياً، رئيساً للجنة المصالحة حول فلسطين، المكونة من الفرنسي كلود دو بوازانجر Claude de Boisanger والتركي حسين جاهد يالسين، وتقلد سكرتارية اللجنة الإسباني بابلو دو أزكارت Pablo de Azcarate. وكانت مهمتهم تغطي بشكل رئيس مسألة الحدود بين الدولة اليهودية والدول العربية في فلسطين، مشكلة اللاجئين، وقضية القدس.
بعد اجتماعها الأول في كانون الثاني (يناير) 1949، بجنيف، تبدأ اللجنة بالعمل. وتلتقي للمرة الأولى في 21 آذار (مارس) 1949 الجامعة العربية، في بيروت. تثير هذه المساعي قلق إسرائيل التي- كما تشرح صحيفة الحزب الحاكم الماباي- «تفضل مفاوضات منفصلة مع كلّ دولة عربية (التي بدأت في ذلك الوقت). إن كلّ محاولة لتشكيل جبهة متحدة ضد إسرائيل ستزيد خطورة الوضع وتقلل فرص السلام(5)». في الجهة الأخرى، شعور نقيض، لم تقبل فقط الدول العربية استقبال الترويكا، بل أن الجنرال (والمؤرخ) العراقي طه الهاشمي، مستشار لجنة فلسطين في الجامعة العربية يعترف في جلسة مغلقة بأن «الدولة اليهودية أمر واقع وبأن العرب لا يستطيعون فعل شيء لتغيير ذلك(6)» الشيء الوحيد الذي يمكن أن يأملونه هو حلّ يفرض من القوى العظمى ويكون لصالح العرب. وحدهم الأردنيون، وهم في حالة مفاوضات مع إسرائيل، كان يشكون بأن تدخل لجنة المصالحة حول فلسطين سيزعزع الوصول إلى تسوية مستوحاة من الاتفاقية بين الملك عبد الله وغولدا ميرسون. سمحت موافقة المفوضين العرب -الذين قبلوا بعدم اشتراط حلّ مسألة اللاجئين كشرط مسبق للمفاوضات- بافتتاح مؤتمر لوزان في 28 نيسان (أبريل) 1949.
لامكان للمستحيل
جاء الجميع إلى سويسرا، لكن بأهداف متناقضة. كانت إسرائيل تشترك، بشكل خاص، لتجنب أن تؤدي أي مقاطعة من جانبها إلى إثارة المجموعة الدولية، وتعريض فرصها للانضمام إلى الأمم المتحدة للخطر. فيما شددّت الدولة اليهودية على المساومات بين الجانبين، رافضة كلّ تنازل مهم. فإن الفلسطينيين والدول العربية كانوا ينتظرون، حول طاولة المفاوضات، استعادة جزء من الأرض المفقودة خلال الحرب. في ذلك التاريخ -باستثناء سورية- وقع الجميع الهدنة مع إسرائيل. يلاحظ إيلان بابهْ «ربما كان الجانب السياسي الأهم خلال هذه المرحلة هو الاعتراف الضمني بدولة إسرائيل من قبل كلّ الدول العربية المشاركة في التوقيع على اتفاقيات الهدنة»، ويضيف « هذا الرأي صدر في ذلك الوقت من قبل والتر إيتان مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية(7)» لكن إنهاء حالة الحرب شيء، والانتهاء من المعركة السياسية والإيديولوجية للسيطرة على فلسطين شيء آخر. كان ذلك تماماًَ هو طموح لجنة المصالحة حول فلسطين، التي ضاعفت اللقاءات شبه الرسمية والرسمية وانتقلت بنشاط من الوساطة إلى تقديم الاقتراحات، واستطاعت في 12 أيار (مايو) 1949 تجاوز مرحلة مهمة على هذا الطريق، حيث صدّق الإسرائيليون والعرب في ذلك اليوم على بروتوكولين، بما فيهما النص الوحيد الذي يحدد إطار السلام الشامل.
مع ذلك فإن المراهنة كانت مستحيلة، يلخص إيلان بابهْ أن «العرب كانوا يرفضون مناقشة تسوية قبل أن تصرح إسرائيل بأنها تقبل إعادة اللاجئين. فيما الإسرائيليون كانوا يرفضون التفكير في حلول لمشكلة اللاجئين قبل أن يوافق العرب على السلام. كان الإسرائيليون مهتمون، بشكل خاص، باعتراف عربي بدولة إسرائيل بحدود ما بعد الحرب(8)». لإزالة الجمود، لم يكن هناك سوى حلٌ واحد، مكون من قراري الجمعية العمومية للأمم المتحدة، قرار 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947، الذي ينشئ دولتين في فلسطين، بما فيها الدولة اليهودية، وقرار 11 كانون الأول (ديسمبر) 1948، الذي يقضي بحق العودة للاجئين والاعتراف المتبادل بين العرب وإسرائيل وكذلك تدويل القدس. كان الدبلوماسي الفرنسي كلود دو بوازانجر هو الذي أخذ المبادرة، واقترح في 9 أيار (مايو) هذه التوليفة للإسرائيليين من جانب وللعرب من جانب آخر. يلاحظ إيلان بابهْ، أنه بالنسبة للإسرائيليين «كان ذلك كحبة دواء مرة ينبغي بلعها، إن قبول قرار التقسيم كان يخالف كلّ ما كان بن غوريون يعتقده في هذا المجال. والآن، بعد أن باركت واشنطن المبادرة الفرنسية، لم يبق أمام الإسرائيليين خيار آخر إلا قبولها(9)».
يستطيع مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية إقناع حكومته بتوقيع البرتوكول، الذي صُدق أيضاً من قبل العرب. بتردد. كما كتب وزير الخارجية السوري، الذي كان يقود في لوزان وفد بلاده: «الحكومات العربية التي رفضت قرار التقسيم قبل وبعد إنشاء هيئة الأمم المتحدة، كانت تعتبر من الآن وصاعداً أن قرار الأمم المتحدة نجاح سياسي عربي(10)». إذا، في 12 أيار (مايو)، وقعت الوفود العربية برتوكول بوازانجر، فإن وجود إسرائيل، التي أصبحت فضلاً عن ذلك عضواً في الأمم المتحدة، لم يعد يشكل مسألة، ما كان مهماً بالنسبة لهم، هو حق العودة للاجئين، الذي تضمنته الوثيقة الموقعة دون غموض. وهكذا، فإن الحكومة المصرية التي كانت تعتبر في آب (أغسطس) 1948 تقسيم فلسطين غير واقعي، تبرق في منتصف أيار (مايو) 1949 إلى ممثلها في لوزان: «إسرائيل، الآن، عضو في الأمم المتحدة، إذا قبلت مبدأ حق اللاجئين بالعودة، تستطيع أن تناقش معها تسوية حول الأرض(11).» كان العرب ينوون، استناداً إلى البرتوكول، إرغام إسرائيل بالعودة إلى تقسيم 1947، وبالتالي انسحاب قواتها من المناطق الممنوحة للدولة العربية والقبول بعودة الفلسطينيين المطرودين من بيوتهم.
كلما كان العرب يتمسكون بالنص الموقع في 12 أيار (مايو)، كلما كان الإسرائيليون يبتعدون عنه. يعترف والتر إيتان في حزيران (يونيو) 1949 بأن:«هدفي الرئيس كان البدء بتقويض برتوكول 12 أيار (مايو)، الذي أرغمنا على توقيعه في إطار معركتنا للإنضمام للأمم المتحدة (..). كان من المهم جرّ اللجنة للتآلف مع فكرة أن البرتوكول ليس هو الشيء الأساسي، وبأنه عاجلاً أم لاحقاً، سنتكئ على اتفاقية الهدنة(12)». على النقيض، كانت الوثيقة، بالنسبة للأمريكان، شيئاً أساسياً تماماً. وبمواجهة التكتيك المماطل الذي يستخدمه الإسرائيليون، سيدركون قريباً بأنه يجب الضغط على بن غوريون وأصدقائه، بالدرجة الأولى، لفرض حلّ لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين -910000 حسب المنظمة الدولية للاجئين، 530000 حسب الإسرائيليين، 750000 حسب لجنة المصالحة حول فلسطين- يشمل إعادتهم إلى وطنهم وتوطينهم في الدول العربية. إسرائيل التي أكدت دائماً أن الاعتراف بها من قبل الدول العربية سيسمح بالالتزام بمفاوضات حول إعادة اللاجئين، تفعل كل شيء ليصبح ذلك مستحيلاً، اعتباراً من حزيران (يونيو) 1949، باتخاذها إجراءات غير قابلة للعودة عنها فيما يتعلق بأرضهم وممتلكاتهم. يشرح إيلان بابهْ أن «الموقف الإسرائيلي يوجز بخطين رئيسيين جوهريين. الأول يؤكد أن إسرائيل ليست مسؤولة عن نشوء هذه المشكلة، ولكن بالرغم من كل شيء، تريد المساعدة في حل المشكلة على أساس القواعد الإنسانية، الثاني، إن أي حل للمشكلة لا يجب أن يضع أمن إسرائيل في خطر(13)». حتى أن وزير الخارجية الإسرائيلي كان قد وصف رفض بلاده بمناقشة إعادة اللاجئين «لا عودة عنه» إن عودة كبيرة للاجئين، ستعرض بدون شك استقرار المهاجرين اليهود على أرض ومنازل العرب إلى الخطر،ولكن أيضاً، ستصدم مشاعر مجتمع لا يرغب كثيراً برؤية عودة «الأعداء» الذين هزموا لتوهم.
سرعان ما يدفع ذلك مارك إيتريدج، الممثل الأمريكي في لجنة المصالحة حول فلسطين، للقلق مما يعتبره إعاقة من جانب الإسرائيليين. بالنسبة له، القضية مفهومة: إن بن غوريون لم يقبل إشتراك دبلوماسيه في مؤتمر لوزان إلا ليضمن دخول إسرائيل في الأمم المتحدة. فيخرج ثانية من ملفاته اقتراحاً ابتدع قبل 12 أيار (مايو) وقابل، كما اعتقد، ليجعل الإسرائيليين يقبلون بمبدأ الإعادة إلى الوطن: إلحاق قطاع غزة مع سكانه ولاجئيه بالدولة اليهودية. يقبل رئيس الوزراء وأغلبية حكومته، مجذوبين بالمزايا الجيوسياسية للعملية- ويقرون بأنهم يستطيعون استعادة عدد جوهري من اللاجئين. غير أن الحكومة المصرية رفضت بالتخلي عن هذه الغنيمة من الحرب، من جانب واحد، دون مقابل، كي لا تترك كلّ فلسطين للإسرائيليين والأردنيين. وأعادت الدول العربية -باستثناء شرق الأردن المدعومة من العراق، التي أعلنت رغبتها في إلحاق الضفة الغربية- تأكيد الصلة ما بين مسألة اللاجئين ومسألة الأرض، ويعلنون أن جزءً على الأقل من فلسطين يجب أن يبقى تحت سيادة فلسطينية. دفع فشل المقترحات حول غزة إلى زيادة الضغط الأمريكي على إسرئيل التي قبلتها. في 29 أيار (مايو) 1949، يرسل هاري ترومان ملاحظة أكثر جفافاً إلى بن غوريون، كاتباً له: «إن حكومة الولايات المتحدة قلقة بجدية من موقف إسرائيل فيما يتعلق بالتسوية حول الأرض في فلسطين ومسألة لاجئي فلسطين.» أسفاً رفض إعادة تأكيد الدولة اليهودية لبرتوكول أيار (مايو)، مؤكداً أن «الحكومة الأمريكية تشك بجدية بأن إسرائيل تضع في خطر إمكانية الوصول إلى حل لمشكلة فلسطين، بما يسمح في المساهمة بتأسيس علاقات سليمة وودية بين إسرائيل وجيرانها». ويلوح بتهديد فرض عقوبات: «إن الحكومة الأمريكية ستنقاد، للأسف، إلى الاستخلاص أن إعادة النظر في موقفها باتجاه إسرائيل أصبح لا يمكن تجنبه(14)» مقارنة بموقف تل أبيب فإن موقف العواصم العربية، من وجهة نظر واشنطن، يبدو عقلانياً جداً: أليست هذه العواصم تعيد التأكيد على برتوكول 12 أيار (مايو) وحتى «مبدأ جسيب»، وتطلب من إسرائيل أن تفعل ذات الشيء؟
من خلال قرارها بالحفاظ على المبادرة في هذا الاستعراض الأمريكي الذي سمي مؤتمر لوزان، ترسل وزارة الخارجية إلى المنطقة منسقها الجديد لمسألة اللاجئين الفلسطينيين، جورج مك غي George MeGhee، لإعانة مارك إيتردج. بموافقته على المطلب العربي ببادرة إسرائيلية حول اللاجئين تسبق أي تسوية حول الأرض، فإنه يطور مقاربة جديدة: «مشروع مارشال للشرق الأوسط»، بفضله تستطيع إسرائيل إعادة 200000 لاجئ وتدمج الدول العربية 550000. ثلاثة أشهر فيما بعد، حين ييئس الأمريكان من لوزان ويستبعدون أي ضغط على إسرائيل، سيصبح ذلك أساس السياسة الأمريكية في المنطقة. لكن، في بداية حزيران (يونيو) 1949، ظلت واشنطن تستعمل العصا باتجاه تل أبيب: في 13 حزيران (يونيو) تشترط الإدارة الأمريكية لمنحة قرض 100 مليون دولار لإسرائيل موقفاً إزاء مشكلة اللاجئين. بما أن المنازعات تفاقمت حول مناقشة مسألة القدس، حيث اهتمت بها لجنة فرعية من لجنة المصالحة حول فلسطين، أعلن رئيس الوفد الإسرائيلي في نهاية أيار (مايو) 1949 بأن «دمج الجزء اليهودي من القدس في الإطار الاقتصادي والسياسي والإداري لدولة إسرائيل، نتج بشكل طبيعي نتيجة شروط الحرب، وقد اتبع ذلك بعملية متوازية في الجانب العربي (الأردني)(15)». إن الدولة اليهودية رفضت بوضوح وببساطة تدويل المدينة الذي يقتضيه مخطط التقسيم وما تطالب به كلّ الدول العربية بما فيها الأردن التي تحتل الجزء الشرقي.. يغضب مك غي أيضاً من إصرار الإسرائيليين على الاتفاقيات الثنائية، التي لا يمكن أن تكون، حسب رأيه، إلا مديمة للنزاع الذي تبحث الولايات المتحدة، على العكس من ذلك، عن حل جماعي له.
تفضيل إسرائيلي للأردنيين
كانت أولوية إلياهو ساسون، رئيس الوفد الإسرائيلي، للمفاوضات المباشرة. كان يتابع، بشكل خاص، حواراً دائماً مع نظيره الأردني، وزير الدفاع فوزي الملكي، مساهماً بذلك في المساومات الجارية بين تل ابيب وعمان للوصول لسلام منفصل. ولكنه، كان يحاور، أيضاً، ممثلي بيروت والقاهرة، الذين صرحوا أنهم جاهزون للاعتراف بحدود الدولة اليهودية، إذا قبلت بإعادة قليل من الأراضي للبنان في الشمال وفي الجنوب لمصر. بل أنه حتى اتصل بفلسطينيين موجودين في لوزان.وهكذا فإن محمد نمر الهواري، محامي من يافا متهم من المفتي الحاج أمين الحسيني بالتعاون مع اليهود، يقترح عليه في أيار (مايو) 1949 بأن تلحق إسرائيل الضفة الغربية أو أن تنشئ دولة فلسطينية مستقلة فيها، ولكنها مرتبطة بها بصلة وثيقة. هذا الموقف يثير اهتمام موشيه شاريت ولاسيما أن اللاجئين من جانبهم، حسب الهواري، يجب إيجاد حل لمشكلتهم مع إسرائيل مباشرة دون تدخل الدول العربية، مسعى كفله، في حزيران (يونيو)، فلسطينيان قدما إلى لوزان من غزة. يوضح إيلان بابهْ: «إن هذه الإمكانيات لم يتم التحري عنها بشكل صحيح، وذلك ناتج، بشكل خاص، عن تفضيل إسرائيلي لسلام مع الأردنيين يستبعد بشكل كامل اتفاقيات مع الفلسطينيين ويترك دون حلّ مشكلة اللاجئين والقدس وقبول إسرائيل في العالم العربي، مشاكل ربما لا يمكن حلّها دون قبول عربي عام(16)». في نهاية حزيران (يونيو)، يتم تعليق مفاوضات لوزان بطلب من الأمريكيين.
كان بإمكان إسرائيل ان تذهب بعيداً مع دمشق، غير أنها لم ترد ذلك. في آذار (مارس) 1949 استولى الزعيم حسني الزعيم قائد الجيش السوري على السلطة. كان رئيس الدولة الجديد يحلم قبل كل شيء بالمساعدة المالية والعسكرية من الغرب، قادته هذه الأولوية ، منذ بداية تموز(يوليو)، إلى تقديم اقتراحات غير عادية، مثل استقبال وتوطين من 200000 إلى 300000 لاجئ فلسطيني في سورية في منطقة الجزيرة بالشمال الشرقي من البلاد. من الواضح، أن هذا المشروع إذا لم يحل المسألة الوطنية الفلسطينية، كان يمثل انفتاحاً غير مأمولاً لإسرائيل. بالإضافة إلى أن الزعيم، كان يصرح خلال الصيف، أنه جاهز للتفاوض، ليس فقط على هدنة، التي وقعها في 20 تموز (يوليو)، وإنما أيضاً حول اتفاقية سلام مع بن غوريون. غير أن هذا الأخير أهمل الرأي الإيجابي لوزير خارجيته، ورفض العرض. يوضح بابهْ: «بالرغم من أنه ليس لدينا البرهان التاريخ لدعم التأكيد بأن نوايا الزعيم كانت جادة، لم نعلم أبداً إلى أي حدّ كان مستعداً لمتابعة هذه الأولوية، بعد عدة أشهر في السلطة، أزيح الزعيم، وعاد خليفته إلى السياسة التقليدية لسورية المعادية للصهيونية. غير أنه من الصحيح، أن البحث عن السلام غالباً ما يمثل ديناميكية غير قابلة للعودة عنها، وكان يمكن للزعيم أن يفتح فصلاً جديداً في العلاقات الإسرائيلية السورية. على النقيض من أراء العديد من المؤرخين وللأسطورة الإسرائيلية المتعلقة بحرب 1948، كان هناك العديد من بين القادة العرب الذين كانوا يبحثون عن سلام مع الدولة اليهودية الجديدة، وعانى العديد منهم الرفض من قبل إسرائيل(17).»
حين استأنفت لجنة المصالحة حول فلسطين أعمالها، في 18 تموز (يوليو)، في لوزان، كان التوقف كاملاً. رفض اقتراح تركي حول شرق الأردن الكبير يشمل فلسطين العربية -الضفة الغربية وقطاع غزة والنقب- من قبل الإسرائيليين وكذلك من قبل العرب. وكذلك رفض مخطط فرنسي، يترك النقب للإسرائيليين، ولكنه يقترح وصاية على الجليل. بذلك، عادت المبادرة إلى الأمريكيين التي أصبح وفدها يقوده المحامي بول بورتر Paul Porter، متحمس كجورج مك غي لمشروع مارشال وتطبيق هذا الأخير في الشرق الأوسط. باعتقاده أن المخرج هو أولاً مخرج اقتصادي، لم يكن بورتر أقل تقديراً منه بأن بادرة من إسرائيل حول مسألة اللاجئين تتحكم بكل خطوة إلى الأمام. في غضون ذلك، أصبحت ضغوط واشنطن على تل أبيب قوية، بحيث أن موشيه شاريت حصل من الحكومة الإسرائيلية، في 5 تموز (يوليو)، على قبولها بإعادة 100000 لاجئ، في الواقع 65000 بما أنه قد عاد منهم 25000 وتلقى السماح 10000 في إطار لم شمل العائلات. كان بن غوريون معارضاً لذلك، ورأى البعض أن الولايات المتحدة وجدت العرض غير كافياً، حيث أن إسرائيل كانت تتوقع إلحاق قطاع غزة مع 250000 لاجئ. إن رئيس الوزراء رأى تماما، أن واشنطن استبعدت العرض الذي اعتبرته ضعيفاً، ورفضه العرب معتبرين أنه متناقض مع قرار 11 كانون الأول (ديسمبر)1948. وتمت العودة إلى المقترحات الأمريكية بإعادة عدد أكثر أهمية من اللاجئين إلى إسرائيل وتوطين الباقي في الدول العربية. غير أن إسرائيل ثبتت موقفها: مع 150000 فلسطيني ظلوا في البلاد، و100000 عائد، بذلك سيكون 28% من العرب وفرض أكثر من ذلك، سيحول الدولة اليهودية إلى دولة ثنائية القومية ويعيق استيعاب المهاجرين اليهود الجدد. في الجهود المبذولة من قبل شاريت إيجاد حل للمشكلة الفلسطينية، كان بن غوريون يعارض بصلابة بما يفرضه على الوفد الإسرائيلي في لوزان، حيث سمى على رأسه، في منتصف تموز (يوليو) 1949، مستشاره الرئيسي للقضايا العربية، روفن شيلوح Reuven Shiloah. يلاحظ إيلان بابهْ: «كمعلمه، كان الأخير يعتبر أن لوزان ليس مؤتمر سلام، ولكنه ضرر ضروري». خضع وزير الخارجية، لكن دون أن يقلل تفكيره في ذلك. من جانب كان يعترف بأن «الحالة الجديدة (اتفاقيات الهدنة الموقعة مع كلّ الدول العربية) تخفف عنا ضرورة توقيع سلام صريح ومكتوب مع دول الجوار، مادام أنه يوجد فارق ضئيل بما يتعلق بالأرض بين اتفاقيات الهدنة الموجودة ومعاهدات السلام الصريحة». لكن من جانب آخر، يشير إلى «أننا سنتحمل خسارة في جوهر المشروع (الصهيوني) إذا تخيّلنا أن الهدنة ستحل كل شيء وبأننا نستطيع الآن التوقف عن البحث عن السلام في جدول أعمالنا الوطني(18)»
«إسرائيل: العامل الكابح»
ظل العرب أوفياء لبرتوكول 12 أيار (مايو) 1949 وبذلك -سيقتنع بذلك شيلوح سريعاً في لوزان- سيكون لهم فرص، عند اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة القادم، وسيستفيدون من دعم معظم المجموعة الدولية. لكن ذلك لم يمنع إسرائيل من أن تتابع الرهان على المفاوضات الثنائية، مع الأردنيين بالطبع، ولكن أيضا مع المصريين وبدرجة أقل مع السوريين. أما فيما يتعلق بلجنة المصالحة حول فلسطين، فإن الطريق كان منيعاً. لقد كان هناك شعور عام أن إسرائيل لم تعد تتحرك: «صلّب وصول المهاجرين الجدد من أوربا والهدوء النسبي على الحدود، الناجم عن اتفاقيات الهدنة الموقف الإسرائيلي حول مشكلة اللاجئين وإمكانية الوصول إلى تسوية حول الأرض. بالإضافة، إلى أن، كما أشرنا من قبل، التنازلات الإسرائيلية السابقة ، في برتوكول أيار (مايو)، كانت محمولة كبادرة بسيطة تكتيكية باتجاه تخفيف الضغط الأمريكي وليس في إطار الرغبة الصادقة للوصول إلى تسوية(19).»
في 15 آب (أغسطس) 1949، يطلق أعضاء لجنة المصالحة حول فلسطين آخر رصاصة، حيث يقترحون على الأطراف توقيع مذكرة جديدة تشمل على اعتراف إسرائيل بحق العودة للفلسطينيين، والتزام الدول العربية باستقبال جزء منهم، ومساعدة المجموعة الدولية لهؤلاء ولأولئك، ولجنة تحقيق في المنطقة لقياس الصعوبات الاقتصادية لهذا الإدماج، تم فقط قبول النقطة الأخيرة، والمهمة المذكورة ستقوم على تدشين وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا). لا يمكن معرفة الهدف الأمريكي جيداً من هذا البرتوكول الجديد. يخلص إيلان بابهْ إلى أن «مركز المصالح لم يعد مشكلة اللاجئين، ولكن النمو الاقتصادي للشرق الأوسط والتحالف السياسي للأخير مع الغرب. من وجهة نظر الأمريكيين، للمخطط الجديد ذات أهداف مشروع مارشال الأصلي: الاستقرار السياسي وأفضل مستوى للحياة أفضل ضمانة ضد التسرب الشيوعي والتدخل الروسي في المنطقة. مع التراجع، يمكن أن يرى أن هذا التغيير الأمريكي دفع مؤتمر لوزان ولجنة المصالحة حول فلسطين إلى منسيات التاريخ. لقد اتضح أن الاعتقاد بأن المشكلة السياسية للصراع الإسرائيلي-العربي يمكن حلها فقط بوسائل اقتصادية، هو اعتقاد غير واقعي وساذج. إن اللاجئين، بالنسبة للعالم العربي، كانوا يرمزون إلى الكارثة التي حملها إنشاء دولة إسرائيل للفلسطينيين. إنها مسألة مبدأ، التزم بها ، دون شك، معظم القادة العرب في ذلك الوقت، لم يكونوا يجرؤون على التخلي عن ذلك علانية. أيمكن تغيير هذا الموقف بمساعدة مالية(20)؟»
حسب اعتقاد الرسميين الإسرائيليين، يعود فشل لوزان أساساً إلى أن الدول العربية كانت تتفاوض بشكل جماعي، وليس ثنائياً، مع إسرائيل. يرى والتر إيتان على سبيل المثال، أن «وجود العرب في وفد واحد، جعلهم بالضرورة ، سواء بشكل فردي أو جماعي، متصلبين. (…) ومن الطبيعي أن تكون النتيجة أن كل ممثل عربي كان يمكن أن تكون له رؤى معتدلة نسبياً حول موضوع ما، كان يخاف.» ويصف دبلوماسي إسرائيلي آخر كان موجوداً في لوزان، غرشون أفنير Gershon Avner، بأن هذه الفرضية «طفولية»: «في الحقيقة، كان من غير المعقول أن يكون طرفا نزاع ما يريدان تسوية وأن ما منعهما فقط للوصول إليها مشكلة منهج المفاوضات» حسب أفنير، «لم يكن هناك أي فرصة حقيقية للوصول إلى اتفاقية سلام في لوزان(21)». إذا كان الدبلوماسي يعترف أن إسرائيل كانت «ثملى بالنصر»، فإنه يتهم الدول العربية بأنها لم ترد حقاً المفاوضة. غير أن ذلك ليس رأي آفي شلايم الذي يستخلص في فصله حول لوزان في كتابه «تواطؤ عبر الأردن» فيكتب: «في عام 1949، كان العرب يعترفون بحق إسرائيل في الوجود، وكانوا يريدون أن يتفاوضوا معها حول السلام وجهاً لوجه (…) وإسرائيل رفضت هذه الشروط، ليس لأنها تتناقض مع بقائها كدولة مستقلة، ولكن مع تصميمها بالحفاظ على كل الأراضي التي كانت تمتلكها ولمقاومة إعادة اللاجئين(22)». ويستند إلى شهادة رئيس الوفد الإسرائيلي في لوزان: «لا أحد غير إلياهو ساسون، اليهودي الشرقي الوحيد على مستو عال في وزارة الخارجية الإسرائيلية، رأى أن الدفاع العنيد لإسرائيل عن الوضع الراهن سدّ الطريق إلى اتفاقية مع العرب ،وأوصل مؤتمر لوزان إلى الإخفاق(23)».
مما يدل على ذلك، هذه الرسالة المؤرخة في 16 حزيران (يونيو) 1949، الموجهة إلى مرؤوسه زياما ديفون Ziama Divon، حيث لا يخفي ساسون فيها قلقه: «ليس لديك فكرة كم أنا أسف لمجيئي إلى لوزان. (..) جئنا إلى هنا من أجل هدف خاص، هدف واحد، ألا وهو الوصول إلى سلام مع الدول العربية. لكننا هنا منذ شهرين، ولم نتقدم بوصة واحدة(..) يعتقد اليهود، أولاً، أنهم يستطيعون الوصول إلى سلام دون دفع الثمن، سواء كان صغيراً أو كبيراً. يريدون الحصول أ) تخلي العرب عن كلّ الأرض المحتلة من قبل إسرائيل، ب) موافقة العرب على استيعاب كل اللاجئين في دول الجوار، جـ) موافقة العرب على تعديلات الحدود في الوسط والجنوب ومنطقة القدس لمصلحة إسرائيل. د) تخلي العرب عن كل ملكياتهم في إسرائيل مقابل تعويض(..) هـ) اعتراف واقعي وقانوني بدولة إسرائيل مع حدودها الجديدة، و) موافقة العرب لإقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية فورية بين دولهم وإسرائيل.الخ. ثانياً، بالرغم من إدراك العرب أن إسرائيل أصبحت حقيقة، فإنهم يتساءلون، إذا كانت هذه شروطها، فما الذي يجبرنا على الإسراع بالاعتراف بها؟ (...) قد يكون الوضع مختلفاً فيما إذا كان ممكناً إنشاء دولة مستقلة في الجزء الآخر من فلسطين.غير أن العامل الكابح، اليوم، هي إسرائيل. بموقفها وبطلباتها الحالية، تجعل إسرائيل الجزء الثاني من فلسطين غير قابل للاستخدام لأي مشروع، ما عدا إلحاقه بدولة مجاورة، والحالة هذه، شرق الأردن. (...) أما فيما يتعلق باللاجئين، وهم كبش المحرقة، مادام لا أحد يعير لهم أقل اهتمام. لا أحد يسمع طلباتهم، إيضاحاتهم، ومقترحاتهم. من جانب آخر، تستخدم كل الأطراف هذه المشكلة لغايات ليس لها علاقة بآمال اللاجئين أنفسهم(24).»
بعد ثلاثة اشهر، وما إن انتهى مؤتمر لوزان (14 أيلول (سبتمبر) 1949)، يستخلص الياهو ساسون نفسه، الذي تغلب على حالته النفسية، درساً من المؤتمر، سيلهم طويلاً دبلوماسيي بلاده. يكتب إلى موشيه شاريت: «علمتني خمسة شهور العمل أمضيتها في لوزان بأن كل وساطة أجنبية -حتى ولو كانت أفضلها والأكثر حيادية وموضوعية- عليها أن تطلب منا ، حتى مع أفضل النيات، تنازلات حول مسألة اللاجئين والحدود والسلام، علينا حتماً أن نقاومها(25).» أما ابا إيبان وزير خارجية إسرائيل المقبل، فإنه يرى أن بلاده «ليست بحاجة للركض وراء السلام، والهدنة تكفينا. إذا كنا نبحث عن السلام، والعرب سيطلبون منا دفع الثمن -حدود أو لاجئين، أو الاثنين معاً. لننتظر عدة سنوات(26)» غير أن بن غوريون على عادته يقول الأشياء بطريقة أكثر فظاظة: «إني مستعد للاستيقاظ في الليل لأوقع اتفاقية سلام، غير أني لست مستعجلاً، وأستطيع الانتظار عشر سنوات(27).»
هوامش