لقاء مع لوكلوزيو

 

مع صدور رواية لوكليزيو الجديدة، «صدفة»، يتابع لوكليزيو مشواره الروائي الطويل، الذي بدأ عام 1963 مع صدور روايته «المحضر الرسمي» والتي حصل من خلالها على جائزة رنودو، في عمر لا يتجاوز 23 سنة.

 

صدفة

رواية باعثها الوحيد وصف قارب يجتاز المحيط

 

يرصد لوكليزيو، في كتاباته، تناقضات المجتمع المعاصر، ويقف على غربة الإنسان فيه، من خلال اهتمامه بقضايا المهمشين في هذا المجتمع. وتحتل مسألة الهوية مكاناً مميزاً في أعماله، التي وقف عليها في الكثير من أعماله التي عالج بها قضايا الهنود الأمريكيين، والمهاجرين في المجتمع الفرنسي.

في روايته «نجمة تائهة» يرصد مأساة اللجوء الفلسطيني عام 1948، هذه المأساة التي يعتبرها أكبر مأساة للاجئين في القرن العشرين. حيث أثارت هذه الرواية عليه الكثير من الانتقادات الصهيونية في فرنسا.

وفي روايته «سمكة من ذهب»، التي أصدرها عام 1997، يتابع سيرة فتاة مغربية ، ليلى، في مقتبل العمر، تنتمي إلى بني هلال اختطفت وهي لا تتجاوز السادسة من عمرها. جالت في رحلتها الطويلة عوالم مختلفة من الملاحة في المغرب، إلى الولايات المتحدة، مروراً بفرنسا، لتعود في النهاية إلى قبيلة بني هلال في جبال المغرب حيث تصل إلى المكان الذي تتذكر ملامحه قبل اختطافها، بغية أن تجد حلاً لمأساة لبست حياتها.  وفي العام ذاته يصدر لوكليزيو مع زوجته ذات الأصل الصحراوي المغربي «أناس الغمام» يرويان فيه حكاية رحلتهما في الصحراء الغربية. يقول لوكليزيو: «كنت أذهب نحو المجهول، فيما جمعة تعود نحو ماضيها». من خلال «أناس الغمام»، تبدو «سمكة من ذهب» عبارة عن سيرة مرمزة لحكاية زوجته وأمها التي جاءت من الصحراء، فلم تعد تعرفان شيئاً عن وطنهما نتيجة هذه القطيعة. وفي العام ذاته أصدر لوكليزيو كتابه «أناشيد العيد» الذي يضم مجموعة من النصوص عن العالم الأمريكي الهندي، يكشف فيها عن إقامته في مقاطعة دارين البنمية بين 1970 و1974، مذكراً بالغنى الكبير لهذه الشعوب: «صوتهم صوت مهم في موسيقا أصوات الإنسانية، لماذا لانسمعه؟»

بمناسبة صدور روايته الجديدة، «صدفة»، في الرابع من هذا الشهر (آيار)، أجرت صحيفة الفيغارو الفرنسية، اللقاء التالي، مع لوكليزيو بعد عودته من المكسيك الجديدة (الولايات المتحدة)، يتحدث فيه عن البراءة والشر والحلم، وكذلك عن أشياء شخصية محببة.

  =بطل روايتك الجديدة، جان موغه، سينمائي يأفل نجمه. يعيش في قارب شراعي ضخم، "آذار AZZAR". يذكرنا بالممثل الأمريكي إرول فلاين Errol Flynn. أفكّرت به لدى كتابتك لهذا الكتاب؟

<<لقد أمدني قارب إرول فلاين بالإلهام. رأيته محطماً على رصيف الميناء في فيلفرانش. فيما حياة فلاين لم تدفعني كثيراً للحلم. كانت لدي الرغبة في كتابة كتاب تدور أحداثه على قارب شراعي كقاربه، أصف فيه اللقاء بين عمرين من أعمار الحياة، عمر ناضج يهرم، وعمر المراهقة.

 =المراهقة، تجسدها هنا الفتاة الشابة نسيمة، التي صعدت خفية على متن "آذار. أكانت هاربة؟

<<إنها تبحث عن والدها. غير راضية عن حياتها. لديها شعور، بأنه سيتغير كل شيء إن رحلت. في لحظة أو أخرى، يحلم كل المراهقون بالرحيل.

 =غالباً ما يكون أبطالك مراهقين، أنقياء جداً.. وفي الآن ذاته، قساة جداً. من أين يأتي انجذابك لهذا النوع من الشخصيات؟

<<إنها الشخصية الروائية الممتازة. لا أريد أن أحافظ على هذه الأسطورة لدي، غي أني أعتقد الرواية فن مراهق، فيما الشعر فن راشد. الروايات التعليمية، هي الروايات التي أحبها، ينطلق فيها المراهقون في الحياة، وعليهم أن يتغلبوا على ضعفهم الخاص. لا أظن أني تغيرت حقاً منذ أن بدأت بالكتابة.

 =إذاً، «صدفة»، تتوجه إلى المراهقين كما الراشدين.

<<نعم يجب أن نكون قادرين على قراءة ذات الكتب في مختلف أعمار الحياة.

 =أهي رواية تلقين؟

<<أحب أن أقول أنها رواية شعرية، لأنه لا هدف لها. باعثها الوحيد للوجود، وصف قارب يجتاز المحيط.

=البحر، وسواس قديم، عندك. أردت أن تصبح بحاراً، حين كنت طفلاً.

<<لم أستطع الدخول في البحرية الوطنية. لأن والدي كان إنكليزياً، ومن ثم بسبب مشاكل النظر لدي. مثل الكثير من الميول المحبطة التي تتحول إلى الأدب.

=عمر جان موغه مثل عمرك (59 سنة). في الوقت ذاته، أنت رجل صلف ومعطاء. أهي صورة ذاتية؟

<<لست مثل موغه مجذوب بالشر. غير أن هذه الشخصية تسحرني. إنه مثل كل الرجال من عمره، يعاني من صعوبات الهرم في المجتمع المعاصر. كل رجل لديه ميل ليصبح مثل هذه الشخصية الغامضة، التي تنجح في حفظ دمغة الطفولة، وبذات الوقت تستطيع أن تكون مجذوبة بنزعة الشر.

="الشر"، الكلمة المهملة، إنها كلية الوجود في «صدفة» وفي «أنغولي مالا»، الرواية التي نشرتها عام 1985 وتعيد نشرها. «إن البراءة ملوثة دائماً»: أتكون هذه هي عبرة القصتين؟

<<«صدفة» أكثر تفاؤلاً من «أنغولي مالا». هاتين الروايتين انعكاس لما تغيّر فيّ. قبل خمسة عشر عاماً، كنت أكتب نصاً متشائماً للغاية. لم أكن أعتقد بأنه يمكن حفظ الشيء الأكثر باعثاً على الإعجاب لدى الإنسان. اليوم أفكر في كائنات مثل نسيمة، تستطيع إنقاذ العالم من التدمير والفساد. أمل بأن تستطيع روح المراهقة في التغلب على العنصرية والقساوة. غير أن الوقائع تعطي معقولية أكثر لـ «أنغولي مالا».

= ما هو الباعث على هذا الإدراك؟

<<إن أهرم! (يضحك) الإدراكات التي وصلت إليها لا تتوافق مع معنى التفاؤل. حديثاً، في الولايات المتحدة، عدتُ إلى دليل سياحي للمنطقة التي تدور فيها أحداث «أنغولي مالا». كتب فيه: إذا كنت متمسكاً بالحياة، لا تغامر! إنه لضلال.. عشت من ثلاث إلى أربع سنوات في هذه المنطقة.

= أتعتقد أن الكائن الإنساني يتراجع؟

<<إني أقول بأن نفوذية العالم تجعل تبادل الشر أكثر سرعة وأكثر تطرفاً.

= لا يبدو أبطالك سعداء إلا بالاتصال بالطبيعة.

<<كل واحد منا، حتى لو ترعرع في المجتمع الغربي، لديه هذه النزعة: أن يخلع ملابسه، أن يغرق في الغابة، أن يصارع البحر. أن يكون ، ببساطة، كل شيء. إن دور الأدب هو ترجمة هذه الرغبة بالارتباط مع الجوهر.

= أتفتقد تربيتنا للطبيعة؟

<<التربية الفرنسية مجردة جداً. حين يتناول طفل أمريكي هندي سكيناً، لا يقال له: «انتبه ستجرح نفسك» فقط يترك. هذا النوع من التربية يتأسس أكثر على التجربة.

= هل أنت من أتباع روسو؟

<<أحب بما فيه الكفاية روسو "إميل"،(المقصود كتاب روسو الشهير في التربية "إميل") الذي يطرح حلولاً للتربية. بالرغم من كونه عدواً للمرأة بما فيه الكفاية. إنه أيضاً شخص يظهر كما هو. لكن روسو في مجال المشاعر ليس لي. إني أفضل فولتير.

= قلت ذات يوم: «لم أكن أبداً سعيداً بالكتابة مثلما حين كنت طفلاً». لماذا؟

<<كانت كتابتي الأولى محاولات. لم تكن هناك هذه اللعبة المعقدة للنشر، هذه العلاقة مع القراء المجهولين. إن في ذلك شيئاً من الرعب. حين كنت مراهقاً، كان جمهوري يقتصر على عائلتي وبعض الأصحاب. كانت ردود أفعالهم أكثر نضارة.

= ما الذي لا تحبه في كتبك؟

<<لا أنجح جيداً في حواراتي. لا أحب أيضاً استعمال الصفات الاستعمال الذي استخدمه، هناك الكثير من ذلك. حين أعيد قراءة كتبي لإعادة طباعتها، أحذف الكثير من ذلك.

= في زمن ما، كنت مقروءاً في دائرة ضيقة. واليوم، توصف «بالأسطورة» وبـ «كاتب كاريزمي». إنه حملٌ ثقيل، أليس ذلك ؟

<<إذا كان ذلك صحيحاً، فإنه شيء مخيف. «يضحك» الزمن الذي تعود إليه كان زمناً خاصاً. كنت أسافر كثيراً. كان مراسلي وسندي الوحيد في العالم الأدب جورج لامبريش. من وقت لآخر، كنت أرسل إليه مخطوطاً ما عبر البريد. كنت لا أتوجه للقراء، لكن للناشر. إنها كرسائل كنت أكتبها في وحدة كبيرة. كان الأدب إّن شكلاً للاحتجاج. فيما بعد، قلّ شعور حاجة استدعاء النجدة. كنت أكثر توازناً. في هذه اللحظة، استطعت أن أفكر بالقراء.

= تترأس هذه السنة، تحكيم جائزة انتير، ما رأيك بالأدب الفرنسي المعاصر؟ إنها تقال بشيء من الحزن.

<<إنها لسمعة سيئة التي لحقت به خلال سنوات السبعينات. على العكس، إني أراه أكثر إبداعاً. يبدو لي، أن الأدب الأمريكي أكثر اصطلاحياً. يبدو كما لو أنه اجترار للوصفات القديمة للكتابة الإبداعية.      

Retour عودة